تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

d

جدار المكسيك: قبلة المهاجرين الموريتانيين الجدد نحو أمريكا..☆ بقلم ايدوم ولد عبد الجليل

جدار المكسيك: قبلة المهاجرين الموريتانيين الجدد نحو أمريكا /
إيدوم عبد الجليل 
مما هو معلوم أن الهجرة تشكل تحدي كوني شامل لسائر بلدان وحكومات العالم بما فيها بلدنا بعد أن أصبحت موريتانيا في قلب مشكلات الهجرة وعرفت كل مظاهرها، فهي لم تعد مستقبلة للهجارين فحسب بل أضحت بلدا مصدرا وفي نفس الوقت بلد عبور بحكم عوامل الجغرافيا والتلاقي البشري.
وهي معنية بهذه الظاهرة أكثر من أي وقت مضى في ظل ما تعرفه هذه الآونة من تجفيف لمصادرها الشبابية وخاصة خلال السنة المنقضية والسنة الجارية، إذ سُجلت هجرات غير مسبوقة بعشرات الآلاف في صفوف الشباب نحو الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص وعبر جدار المكسيك الذي أضحى قبلة المهاجرين الموريتانيين الجدد نحو بلاد العم سام، والمُذهل أن الجنسية الموريتانية الآن عُدت في صدارة الجنسيات العابرة لهذا الحائط خلال أقل من سنتين، وهذا ما تُقدمه لنا الآن التقارير الإحصائية للهجرة الدولية، وهذا يجعلنا نتساءل عن دوافع هذه الهجرة غير المسبوقة وعن تأثيراتها.
من المفيد الإشارة إلى أن أسباب ودوافع الهجرة العالمية تتعدد بحسب أحوال وظروف البلدان، وإن كانت ترتبط عموما بأسباب تفرزها أوضاع الصراعات والحروب الأهلية في البلدان المصدرة للهجرة، أو بحالات تعود إلى اختناق أو كبت الحريات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، كما قد يكون للهجرة وجه اقتصادي بحت.    
وهذه المظاهر تمثل الهجرة العالمية في حجمها الأكبر وإن كانت ليست الوحيدة إذ يضاف إليها الهجرات لأسباب الدراسة أو لأسباب التكوين أو من أجل البحث عن فرص الاستثمار..
إن الشق الأول من هذه الهجرة غالبا ما يُصنف ضمن نطاقه الهجرة غير النظامية أو الهجرة غير الشرعية، وإن كان لا يندرج كله ضمن الهجرة غير الشرعية حتى وإن حصل في ظروف غير نظامية، إذ يستثنى منه الهجرة لطلب اللجوء السياسي أو اللجوء الإنساني أو لظروف انعدام الوطن، خلافا للهجرة لأسباب اقتصادية، ومختلف هذه الأشكال مُبوبة في القانون و في الاتفاقات الدولية. 
النوع الثاني من الهجرة المشار إليها هي حركة طبيعية تنشط في نطاق الشرعية لأنها تأتي في إطار القانون ووفقا لتشريعات البلدان المصدرة والبلدان المُستقبلة، إنها تجسد في الأصل مظاهر علاقات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين الأمم والدول في وُجوهها الثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، في حين يمثل النوع الأول مظاهر علاقات التضامن في المجتمع الدولي. 
وإن هجرة الشباب الموريتاني الأخيرة هي هجرة عمل بالنظر للظروف التي حصلت فيها، و بالنظر لظروف البلد العامة ولمستوى الاستقرار على الأصعدة السياسية والاجتماعية والأمنية، فالبلاد لم تعرف حروب أهلية أو هزات عميقة، ولذا تبقى الدوافع الأساسية لها هي البحث عن فرص عمل والتطلع إلى آفاق جديدة يستطيع فيها المهاجر الحصول على مكتسباتٍ مادّية سريعة تساعد في مواجهة ظروف الحياة كالزواج وتربية الأبناء وتوفير التعليم لهم.
ولم تكن موريتانيا في الأصل بلدا مصدرا للمهاجرين، ومع ذلك مرّت الهجرة الموريتانية بعدة مراحل، فكانت في البداية تقتصر على البلدان الإفريقية وخصوصا القريبة كالسينغال وغامبيا وكوت دي فوار، وبعض الدول الأوربية كفرنسا وإسبانيا وبلجيكا، أما الهجرة البعيدة فكانت شبه محصورة في بلاد الحرمين إذ يأتي الناس لأداء الحج وقد يستقر المقام ببعضهم هناك.
إلا أن ما يميز هذه الهجرة الجديدة عن سابقاتها هو الأعداد الكبيرة المُسجلة للمهاجرين بشكل جماعي وفي وقت قياسي، وقد تحولت بذلك إلى أهم القضايا الوطنية الراهنة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ونُظمت ندوات تطرقت لهذه الظاهرة، وتباينت مواقف الرأي العام بشأنها بين من يعتبر أنها ظاهرة طبيعية ستعود بنتائج إيجابية على المهاجرين وعلى البلد، ومن يرى خلاف ذلك معتبرا أنها ظاهرة سلبية تزيد أضرارها ومخاطرها على الفوائد المرجوة.   
ولعلنا نُبرز في هذا السياق أننا من أولئك الذين يعتقدون أن هذه الهجرة وإن كانت تحقق بعض المزايا الفردية والاجتماعية كتحسين مستوى الحياة وتحويل العملة الصعبة، وحتى وإن كانت بلاد الوجهة أمريكا التي تعد من أقوى اقتصادات العالم بما يتيح هذا الاقتصاد من فرص العمل، إذا توفرت شروط وظروف الإقامة القانونية، إلا أن هذه الهجرة تطرح مشاكل عميقة وانعكاساتها السلبية لا تخطئها العين، فهي تبدأ بتلك الرحلة الشاقة التي يتجشم خلالها الشباب المهاجر قطع المسافات الطويلة وعبور عدة دول في أمريكا الجنوبية قبل الوصول إلى الجدار الحدودي للمكسيك في رحلة تمتد زهاء عشرين ألف كيلومتر في مختلف الجغرافيا والتضاريس الوعرة، وهذه الرحلة تكلف المهاجر على الصعيد المالي مبلغ 3 ملايين أوقية قديمة (أي من 7 آلاف إلى 8 آلاف دولار)
وعلى المهاجر التحلي بالصبر وطول النفس بعد ذلك، فلن تكون البداية بالتأكيد مفروشة بالورود لأنه سيبدأ رحلة أخرى قد تطول من أجل الحصول على الإقامة القانونية التي تسمح له بالعمل وبالحقوق المرتبطة بوضعه القانوني كمقيم في حالة قبوله، وما هو متاح أمامه سيكون طلب الحماية بما لها من شروط أو طلب الإقامة لذوي الكفاءة العالية. 
وأيا كان المستوى الثقافي أو الدرجة العلمية للمهاجر الموريتاني فلن يكون متاحا أمامه سوى فرص محدودة كالعمل في دكاكين التجزئة أو في المطاعم أو محطات توزيع البنزين أو غيرها حتى يحصل على تصريح عمل.
ومن المفيد للمهاجر الالتحاق بدورات تدريبية في اللغة الإنجليزية لتسهيل الاندماج في سوق العمل.
وأيا كان فإن لهذه الهجرة تأثيرات سلبية على المدى القريب و على المدى البعيد، فعلى المدى القريب قد أفرغت الاقتصاد الوطني من اليد العاملة الشابة التي هاجرت بأعداد تعد بالآلاف، كما أنها خلقت بعض المشاكل الاجتماعية على مستوى الأسر إثر هجرة المتزوجين. 
و على المدى البعيد ستخلق الهجرة حالة من الانبتات مع مرور الزمن عن البلد الأصلي والتي تحصل بالتدرج كلما تقادمت الهجرة خاصة مع الأجيال الجديدة التي تولد في المهجر وليست لها ذكريات في البلد أو ثقافة البلد مما يؤدي إلى احتمالات تلاشي الارتباط. 
وصفوة القول أن الهجرة تكون محمودة طالما كانت بنسب معقولة أما أن تكون بصورة جماعية وفي مدة وجيزة كالذي حصل فإن ذلك مؤشر قلق أكثر منه مؤشر ارتياح حيث لا تخلو بالكاد أسرة موريتانية اليوم من مهاجر أو أكثر، وهذا ما يحتم إجراءات هيكلية، و اتخاذ ما يلزم لمواجهة هذه الأزمة من خلال استراتيجية متكاملة لدعم برامج التنمية وبرامج مكافحة الفقر وخلق فرص تشغيل الشباب على نطاق موسع.

☆باحث موريتاني مقيم في باريس

20:02 - 2023/09/07
20:02 - 2023/09/07

تابعونا

fytw