وفق التصور القانوني فإن موريتانيا تتوفر على تشريعٍ عقاري ملائـم وقابل لأن يكون مرجعية تحتكم اليها الأطراف قبل نشوب أي نزاع يراد حله وانهاؤه، بما في ذلك عملية تقاسم الأراضي الخصبة والصالحة للاستثمار في سهول شمامة عموما، والاستصلاح الجاري حاليا في بحيـرة أركيز (205 كلمتر جنوب العاصمة) والذي فجرت مرحلته الأخيرة نزاعا عرقيا وقبليا واضحا على إثر إقرار مبدأ العرف القبلي في تقاسم الأراضي، ضدا عن القانون ومبادئه العامـة.
ان القبيلة بمفهومها الاجتماعي والسياسي تظل قائمة على مفاهيم تقليدية عميقة ومتجذرة لدى كافـة المجموعات الموريتانيـة، بما يضمن لنخبها التميز والريادة والاحساس بالفوقية على العموم من الأتباع والمتحالفين؛ وهي تقف في وجـه الانصهار الاجتماعي وتحقيــق المساواة بين المواطنين في مجالات الملكيـة والتمثيل وكل ماله صلة بأشكال الحداثة وقيم العصر. وفي هذا السياق أظهرت تقسيمات عشرات الهكتارات بين الأعيان والوجهاء شعور عارم بالغبن عبرت عنه مجموعة مُحددة والتزمت الأغلبية بالصمت أو التماهي مع قرارات القبيلة، فالآليات الداخلية لهذه الكيانات التقليدية لا تعترف بالمعتـرضين علنًا على قراراتها.
وللتذكير ينص المرسوم 020-90 الصادر بتـاريخ31 ﻴﻨﺎﻴﺭ1990 على توجه الدولة نحو تفريـد الأرض على حساب ملكية المجموعات التقليـدية "ان منح الأراضي المخصصة للاستغلال الزراعي، الحاصـل باسم الرؤساء أو الأعيان، يستفيد منه بموجب ذلك جميع أعضاء المجموعة التي ينتمون إليها والذين شاركوا في احيائها أو ساهموا في استمرار استغلالها" (المادة6) وتنص المادة (11) على ضرورة ترك "منطقة احتياط عقارية لضمان حقوق الأشخاص الغائبين او الذين لم يكونوا ممثلين ﺃﺜﻨﺎﺀ عمليات التقسيم"، أما الأمر القانوني رقم 127-83 فتنص مادته الثالثة على ان "نظام حيازة الأرض التقليدي أصبح لاغيًا".
وللتأكيد، يفرض القانون على من تتوفر فيه صفة الزعيم القبلي ان يتحصل من الإدارة على ما يفيد ذلك لكي يشارك في تقسيــم الأرض.
إن منتدى الأواصر للتحاور ودراسات حقوق الانسان (أواصر) بالنظر الـى مقاربته الخاصة والتي تعلي من قيمة التحاور، الانصات والتواصل حول مختلف المعضلات وكذلك بالرجوع الى توصيات ندوته المقامـة بتاريخ الأحـد الموافق 15 أكتوبر2017 حول "المسألة العقارية واحترام الملكية الفردية للأرض في موريتانيا" والتي دق فيها ناقوس خطـر "قبلنة الأرض" على حساب الدولة الموريتانيـة التي تمثل الأمـة "الأرض ملك للأمة، ويحق لكل موريتاني، بدون أي تمييز، أن يصبح مالكًا لجزء منها طبقا للقانون" ، وعلى حساب الأشخاص الذين يستغلونها ويقيمون فيها باعتبارهم جزء تاريخي من المجموعات التي تسعى الان لفك روابط العصبة معهم بفعل انتهاء حقبة الندرة وظهور بوادر الطفرة، لهذه الأسباب يعود المنتــدى :
ليؤكـد على أن عيوب التقسيـم الحاصل في مشروع الحوض الشرقي (شمامة) سيؤثـر تأثيــرا مُباشرا على تمتع فئات عريضة من السكان بحقوقها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وبصفة خاصة فئات لحْراطين والنساء عموما.
يستهجن أي خيار نحو تعنيف المتظاهرين السلميين الراغبين في تسجيل اعتراضهم على عملية تقسيم وحيازة 105 هكتار او الشطط في استخدام السلطة من اجل تأويل النصوص القانونية او تجميدها من اجل افساح المجال امام المنطق التقليدي المتجاوز وعلى كافة الصعد.
يطالب بأجراء الدراسات الاستقصائية النزيهة والكافية لتحديد الأطراف المستفيـدة ديمغرافيا وميدانيا، في التاريخ البعيد أو ازاء الاستثمار الجاري دون استبعاد للناس فقط لأنهم مُتغيبون أو صامتون متوجسون.
يرفض حيازة الأرض بأساليب تقليديـة وبمنطق العرف المتجاوز لأنه منهج قائـم على مؤشر القوة وليس الحق وهـو دون شك أسلوب هدام للوحدة والتآلف والتعايش بين مكونات المجتمع وفئاته، ويقترح الإسراع الى تقديم قانون جديد للإصلاح العقاري على ان تكون مهمته الأولى الحسم في التوترات القائمة على مبدأ الحيازة.
يظـــــــل المنتـدى قوة اقتراح فعالة في كل ما يتعلق بترسيخ القيم الاجتماعية المبنية على التوازن والعدالة الاجتماعية والنظام، وهي قيمٌ تتوق لمعانقتها الجماهير المستضعفة والمهمشة قريبا، ولا شيء يبعدها عنها سـوى خيارات العنف أو النضال اللاسلمي، فلا شيء تحقق في الهند أو الولايات المتحدة أو جنوب افريقيا الا بانتهاج السلم واللاعنف، حصرا.
أخيرا، يسجل المنتدى بإعجاب مستوى الانسجام وأواصر الاخوة التي ميزت منتسبي بعض المجموعات التقليدية التي هي أطراف في مشروع الاستصــلاح العقاري باركيز والتي عبــرت عــن تقبلها لمنطق الانصاف الاجتماعي وخضوعها لخيار الحق والقانون، ما يعني أن التغيير الاجتماعي ممكن وقابل للتحقق متى ما توفرت الظروف والنيات.
عاشت موريتانيا، حرة مزهرة ..
المكتب التنفيذي
انواكشوط، 10/02/2024

