يزال البطء والتعثر الطابعَ العام لجهودنا في سبيل تنفيذ التطلعات السبعة التي هي مقاصدُ أجندةِ 2063.
وهكذا، وفي إطار الخطة العشرية 2024-2034، يتعينُ تركيزُ جهودنا جميعا على معالجة الوضع المتأزم والمتردي، على مستويات عديدة في قارتنا الإفريقية.
فلا يزال ما يربو على 600 مليونِ إفريقي لا نفاذَ لهم إلى الكهرباء، في القرن الواحد والعشرين.
كما أن قارتنا تُؤْوي أكثرَ من 50 % من نسبة الفقر المدقع في العالم، وتمتلكُ 25 % من الأراضي الصالحة للزراعة عالميا ولا تسهم إلا بحدود 10% من الإنتاج الزراعي العالمي، مما يهدد باستمرارِ تدهورِ أمنِها الغذائي، ومعلومٌ أنه لا سيادةَ بدون أنظمة غذائية فعّالة وقوية ومستدامة وهو ما كشفته الأزمة الروسية الأوكرانية، من محدودية قدرتنا على الصمود بفعل ما نشأ عنها من اضطراب في سلاسل التموين.
وإجمالا، فإن قارتنا تعيش مفارقةً غريبة، تتجسد في التباين الهائل، بين إمكاناتها الضخمة، من حيث المصادرُ البشريةُ الشابةُ، والموقعُ الاستراتيجيُ المتميز، والمواردُ الطبيعيةُ الهائلةُ، التي تؤهلها لأن تكونَ واحةَ أمنٍ وسلام وازدهار، وبينَ واقعِها الفعلي، المطبوعِ غالبا بالفقر، والهشاشة.
وللتغلب على هذه المفارقة فإننا ملزمون بتعبئة كل الطاقات والموارد لضمان التنفيذ المحكم والفعال للخطة العشرية الثانية 2024-2034.
وستشكل التقارير التي سيقدمها إخوتي السادة الرؤساء وما ستَتَضمّنُه من تشخيص وتوصيات مفيدة حول استكمال مسار ارساء منطقة التبادل الحر القارية الافريقية وتنفيذ برنامج البنية التحتية في نسخته الثانية PIDA 2 ومشروعِ تعزيزِ المقدرات الزراعية ومشروعِ السوق القارية الكهربائية دفعا قويا لتنفيذ الخطة العشرية الثانية. كما أن تنفيذَ الإصلاح المؤسسي والتنظيمي لهيئات الاتحاد سيكون رافعة أساسية لتنفيذ هذه الخطة.
للديمقراطية وتهديدًا خطيرًا لاستقرار المؤسسات في القارة؛ ومن الضروري أن نؤكد ذلك بوضوح ودون أدنى ترددٍ
وفي هذا الصدد، ينبغي لنا أن نلجأ أكثر إلى آلياتنا الخاصة لتسوية النزاعات، وأن نغلب دائما التشاورَ لتجاوز صعوباتِنا ونقدم الحلولَ المناسبةَ لنزاعاتنا، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وِفقًا لمبدأ حل مشاكل إفريقيا من قِبَل الأفارقة أنفسِهم.
ويستوجب منا هذا الواقعُ العملَ جميعا على تكريس مبادئِ دولةِ القانون وإرساءِ ديمقراطياتٍ حقيقيةٍ تؤَمّنُ تداولا سلميا سلسا للسلطة في إطار من الاستقرار والشفافية.
وإن ذلك ليتطلبُ العملَ على تهدئة الحياة السياسية والتغلبَ على الخلافات الاجتماعية والخصومات العرقية بالحوار والتوافق، وعلى تحسين مستوى الحكامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إجمالا.
فما أحوجَنا اليوم إلى أن نستوحي من الحكمة الإفريقية العريقة، روح الحوار والتشاور والبحث الدائم عن الحلول التوافقية في إدارة وتسيير مختلف القضايا لابتكارِ صيغٍ جديدة تعيد إلى الحياة الاجتماعية والسياسية الهدوء والسلمية.
وكما نحن بحاجة إلى تحسين الحكامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإننا كذلك بحاجة إلى تحسين الحكامة البيئية،
فعلى الرغم من ضآلة إسهامنا القاري في الانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري، فإننا أكثر المتضررين مما ينشأ عنه من التغيرات المناخية وتوابعها، من فيضانات، وتصحر، وجفاف، وتدهور في توازن المنظومات البيئية القارية والبحرية.
ولذا يتعين علينا تكثيفُ الجهد لتعزيز قدرة مواطنينا على التكيف مع الانعكاسات البيئية وبذل الجهود والعمل في سبيل تحول بيئي وطاقوي عادل ومتدرج ومستديم.
وإن امتلاك قارتنا لمقدرات معتبرة من الهيدروجين الأخضر ليجعلنا قادرين على رفع تحدي النفاذِ الشامل إلى الطاقة النظيفة وتسريعِ وتيرة التحول الصناعي في القارة إذا ما كثفنا التنسيقَ فيما بيننا وأقمنا من الشراكات ما يُعِين على تعبئة الموارد المالية الضرورية لإحداث ثورة طاقوية قارية بالاستغلال الموسع للهيدروجين الأخضر.
وسأعمل بحول الله وقوته، وبدعمكم جميعا، على المساهمة الفاعلة في مسار تحويل إمكانات قارتنا الهائلة في هذا المجال إلى مشاريع تنموية فعلية تسهم بنحو معتبر في تحقيق أهداف أجندة 2063.
أيها السادة والسيدات، زملائي الأعزاء
لا يناسبُ الظرفَ الدوليَّ والقاري القائم اليوم غيرُ الاتحاد وصهر الجهود. فذلك ما تستوجبه قيمُنا المشتركة ويمليه إدراكُنا لوحدة المصير ويقضي به حجمُ التحديات التي تواجهنا ويستلزمه سموُّ الغاية التي نسعى إليها.
إن قيام "إفريقيا متكاملةٍ ومزدهرة يسودها السلامُ ويمسك مواطنوها بزمام قيادتها وتمثل قوةً ديناميكية في الساحة الدولية" قد يبدو بحكم الملابسات الظرفية العارضة التي تكتنف حاضر القارة أمرا مستعصيا لكنْ ليس بالنسبة إلى شعوب متحدة ذات موارد هائلة ومصادر بشرية شابة ونظرة استشرافية طموحة كحال شعوبنا.
ولذا فإن علينا جميعا، الاستمرار في التطوير المؤسسي لاتحادنا الإفريقي، فمن بوابته نأخذ بزمام مستقبلنا ونتكفل بشؤوننا ونزيد من اندماجنا ووحدتنا ويتأتى لنا تحقيقُ تطلعات شعوبنا المشروعة التي تجسدها أجندة 2063.
وإنني إذ أدعو إلى المزيد من رص الصفوف ومضاعفة الجهود لرفع مختلف التحديات التي تواجه قارتنا، أعلن افتتاح هذه الدورة 37 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، راجيا لأعمالها وافر التوفيق والنجاح.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

