الفلسفة الألمانية الحديثة - لـ روديجر بوبنر
"تمثّل الفلسفة المثالية الألمانية ذروة التفكير الفلسفي الحديث، إذ نجحت في تحقيق تركيب خلاق بين العقلانية المنهجية التي أرساها ديكارت، والإنسانوية الأخلاقية التي بشّر بها جان جاك روسو، خصوصًا من خلال تأكيدها على كرامة الإنسان وحريته. ولهذا السبب، يُنظر إلى هذه الفلسفة بوصفها من أبرز إنجازات الفكر الأوروبي في العصر الحديث، حيث جمعت بين الإيمان بقدرات الإنسان العقلية والعملية، وبين تطلعه إلى تأسيس نظام قيمي عقلاني.
في هذا السياق، يُعدّ إيمانويل كانط حجر الأساس في هذا المشروع الفلسفي، إذ منح الفكر الأوروبي إطارًا نقديًا عقلانيًا أسهم في تطوير العلوم، والفلسفة، والأخلاق، والقانون. وقد لا يكون من المبالغة القول إن كانط، بعد ديكارت، هو أبرز من رسم ملامح العقل الأوروبي الحديث.
ومن اللافت أن هذا الفيلسوف الكبير، الذي أثّر في العالم بأسره، لم يغادر مدينته كونيغسبرغ طيلة حياته. ومع ذلك، فقد استطاع من خلال عمله التأملي المنهجي أن يتجاوز حدود المكان، ويؤسس فلسفة عالمية لا تزال إلى اليوم موضع دراسة وتأمل. لقد دلّ كانط، ومعه فلاسفة ألمان كبار كهيغل وشوبنهاور، المجتمعات الأوروبية على طريق الحداثة الفلسفية، وساهموا بذلك في بلورة قيم العقل والتنظيم والحرية التي ميّزت تطورها الحضاري."
